الحمد لله الذي جعلنا من أمة محمد صلى الله عليه و سلم و وعد المتقين بالجنة و الفجّار بالنار ..
وصلى الله و سلم و بارك على الشفيع المُشفّع , سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين ..,,
قال الله سبحانه و تعالى ( لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ ) [ الحشر . 20 ]
و أبشركم بهذا الحديث ,,
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى . قالوا : يا رسول الله ، ومن يأبى ؟ قال : من أطاعني دخل الجنة ، ومن عصاني فقد أبى )
أخواني و أخواتي أنا في هذا الموضوع أبشركم و في نفس الوقت أذكركم , و أقول لكم .. هذه حقيقة وجودنا في هذه الحياة من البداية إلى النهاية , قصة حقيقية جميعا أبطالها , ذكور و إناث , كبار و صغار ,
و من وجودنا في أحضان الوالدين نبدأ سفر شاق و رحلة طويلة , تأخذنا إلى منازل قد نمكث فيها ما شاء الله ثم نرحل ..
و الكثير منّا ينظرون في معرفة مواجدهم و حق الله عليهم , و رأوا أن عظم الغبن بيع ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ,, و الانشغال بالدنيا ,
مع العلم أن ما مضى منها أحلام و ما بقي منها أماني , و الوقت قد يضيع بينهما ,
ليأخذنا إلى مفترق الطرق , اسأل الله أن يأخذ بنواصينا إلى طريق الحق و الصواب و أن يهدينا إلى صراطه المسقيم ..
قال تعالى ( ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) [ الحجر.3 ]
أما من شملتهم الغفلة و غرتهم الأماني الباطلة و الخداع الكاذبة ,, و غرهم طول الأمل و ران على قلوبهم سوء العمل ..
إذا بدا لهم حظ من الدنيا طاروا إليه ,, و قد أطغتهم شهوات النفوس و وقعوا في شراك الأشرار من جلساء السوء و رفاق الفساد و صحبة الندم ..
فقادوهم للهلاك ,, مخدرات , سكر , زنا , لهو و منكرات .. أضاعوا الصلاة , فرطوا في الصيام , هجروا القرآن ,, نسيوا أو تناسوا سنة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ,
تمادوا في عقوق الوالدين و قطيعة الرحم , ارتكبوا جميع المعاصي و الذنوب و العياذ بالله ,, و على هذا الحال , حظر الأجل
هذه الدنيا مهما عمرناها
و لما علم الموفقون ما خلقوا له و ماهو المراد من إخراجهم إلى هذه الدار التي هي طريق و معبر لى دار القرار
رفعوا رؤسهم فإذا علم الجنة قد رفع لهم فشمروا إليه و إذا صراطها قد وضح لهم فاستقاموا عليه ..
و تفكروا في قلة مقامهم في الدنيا الفانية و سرعة رحيلهم إلى الآخرة الباقية , فحافظوا على الصلاة و الصيام و تلاوة القرآن و تدبره ..
و حرصوا على بر الوالدين و صلة الأرحام و حسن الخلق و العطف على المساكين .. دائماً يوقرون الكبير و يرحمون الصغير ولا يظلمون احد ولا يحسدون أحد ,
يتقربون إلى الله بالنوافل , يتحرون مواسم الطاعات قبل أن يحظر الأجل و ينقطع العمل
قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ) [ فصلت . 30 ]
هذه بشارة من الله لأهل التقى و الصلاح , فهنيئاً لهم الفوز بمحبة الله و رضاه , فقد أفلحوا و نجوا , جعلنا الله و إياكم منهم ,,
ولكن العجب كل العجب , من غفلة من لحظاته معدودة عليه , فمطايا الليل و النهار تسرع به ,, ولا يتفكر إلى أين يُحمل و يسار به .. أعظم من سير البريد ,
و لا يدري إلى أي الدارين ينتقل ,, فإذا نزل به الموت و حظرت منيّته , أشتد قلقه و زادت حسرته لخراب ذاته و ذهاب لذاته ,, و انقضاء حياته ,, فلا تسألون عن حاله ,, حيث لا ينفع الندم
قال تعالى : ( قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ) [ السجدة.11 ]
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بادروا بالأعمال سبعا هل تنتظرون إلا إلى فقر منس أو غنى مطغ أو مرض مفسد أو هرم مفند أو موت مجهز أو الدجال فشر غائب ينتظر أو الساعة فالساعة أدهى وأمر )
قال الله تعالى : ( وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) [ آل عمران .133 ]
كان عثمان رضي الله عنه إذا رأى القبر يبكي حتى تبتل لحيته , و إذا سألوه لم تبكي ,,
قال القبر أول منازل الآخرة , إن صلح صلح ما بعده ,, و إن فسد فسد ما بعده ,,
عند قيام الساعة يبعث الله جميع الخلق إلى أرض المحشر .. في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ,,
حيث يطول الوقوف بين يديّ الله , يوم الفصل .. يفصل الله بين أهل الجنة و أهل النار
جعلني الله و إياكم ممن ينادى غداً في الآخرة , أدخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون
قال تعالى : ( ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ ) [ ق . 34 ]
أما الموفقين من أهل التقى و الصلاح , فقد فازوا بحب الله لهم فيمّن كتابهم و أمّنهم من الفزع الأكبر , يردون على الحوض , يشربون من يد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم , شربة لا يضمأون بعدها أبداً ..
ثم يقفون عند الميزان للحساب , فترجح الحسنات بالسيئات
قال تعالى : ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ ) [ الحاقة .19:23 ]
و منها يعبرون على الصراط المستقيم , منهم كالبرق الخاطف و كالريح العاصف و كأجاويد الخيل
و قد توسطوا ملكاً كبيرا لا تعتريه الآفات ولا يلحقه الزوال , يعلو وجوههم البشر , فقد فازوا بالنعيم المقيم في ضيافة رب كريم .. في روضات الجنة في دار القرار ,
قال تعالى ( دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) [ يونس .10 ]
و هذا مثال و لله المثل الأعلى , فقد أعد الله للمؤمنين في الجنة مالا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر ..
قال تعالى : ( وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ) [ الإسراء . 13:14 ]
أما المذنبين و العصاة فإنه يطول بهم الوقوف بين يدي الله و يشتد عليهم الكرب و تدنو الشمس من رؤوسهم ..
و يلجمهم العرق إلجاما , و يبدأون يبحثون عن حسنة واحدة فلا يجدون و يبحثون عن صديق أو قريب , لا أحد ,,
و أين فلان و فلان ؟! .. لا أحد ,, الكل نفسي نفسي , ( يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) [ الشعراء . 88:89 ]
فيشتد عليه الندم و الحسرة و تُقبل جهنم بحرّها و شهيقها و زفيرها , عندها يقول الكافر ياليتني كنت تراباً
ثم يساقون إلى النار و هذا مثال و العياذ بالله من النار ,,
لا دارٌ للمرءِ بعد الموت يسكُنها ** إلا التي كانَ قبل الموتِ بانيها
فإن بناها بخير طاب مسكنُه ** وإن بناها بشر خاب بانيها
و ختاماً اسأل الله باسمائه و صفاته , أن يجعلنا ممن يزحزح عن النار و يدخل الجنة برحمة الله
و نعوذ بالله أن نلجأ النار طرفة عين , و أبشركم أن الدين يُسر و الموفق من وفقه الله ..
ضع تعليق بحسابك فى الفيس بوك |
|